18 فبراير 2009

سقف الإصلاح السياسي العربي ومصالح المجتمع الدولي

لا شك في أن أي نظام ديمقراطي حر لا بد أن يسعى إلى عمل إصلاحات سياسية داخلية، تتواكب مع التطور السياسي الدولي، لكن العقل والمنطق يقول أن الإصلاحات المبالغ فيها قد تنعكس بالسلب على مصالح النظام ، سواء داخل الدولة الواحدة أو على المستوى الدولي، ما يؤدي بالفعل إلى صعود قوى "الإسلام السياسي" إلى الحكم وبالتالي "تهديد الأمن العام"، وهو ما تذهب إليه الحكومات العربية والإسلامية ، لكن تبقى هناك إصلاحات أخرى ، سواء شكلية أو حقيقية، تجمل صورة النظام والمجتمع الدولي الذي يضفي شرعيته عليه.

وفي المقابل يرى الإسلاميون أنهم هم المخلص لقضايا الأمة ، ويتبعهم في ذلك سيل جارف من العامة، اعتقادا منهم ان كل ما هو إسلامي هو مخلص وأن دونه هو الفساد والاستبداد.

لكن بالنظر إلى الإدارة الأمريكية السابقة فقد كانت على استعداد أن تبارك أي تحولات ديمقراطية قد يراها العرب "صغيرة وشكلية " ، في حين تراها هي "كبيرة وحقيقية".

إن تفاقم العنف على نطاق واسع في العراق، والصعود المدوي لحركة حماس وبروز حزب الله كقوة في المنطقة في مقابل ضعف المعارضة العلمانية، أدى إلى ظهور المخاوف من أن يكون البديل الأساسي المطروح في الإصلاح هو "الإسلام السياسي"، وبالتالي حدوث الفوضى.

في الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة والسابقة على لبنان، لم تؤيد الأنظمة العربية، لا حماس ولا حزب الله، بل وجَّهت انتقادات لاذعة إليهما، وهو ما ينبغي أن يسهم في عودة تفكير واشنطن في الدور الذي تلعبه الأنظمة الصديقة في العالم العربي لخدمة المصالح الأمريكية في مواجهة البديل الإسلامي الذي تراه في موقف من يود تحطيم إسرائيل، ويهلل للقنبلة النووية الإيرانية المقبلة، ويقف وراء أعمال العنف الدموي في العراق... إلخ.

إذن نحن ينبغي أن نتعامل مع سقف توقعات أمريكية وأوروبية "منخفضة" للتحول الديمقراطي في المنطقة العربية عامة، حيث يغلب -كالعادة- في التعامل مع المنطقة العربية المكون "الواقعي" على المكون "الليبرالي" في السياسة الخارجية الأمريكية، فالمطلوب أمريكيا هو الاستقرار في هذه البقعة، أكثر من أي شي آخر.

إن إستراتيجية الإدارة الأمريكية السابقة كانت في تحسين شروط الحياة السياسية في اتجاه التعددية شكلا. وبرغم أن هناك أصواتًا زاعقة في الكونجرس تود أن تتحول هذه الإستراتيجية الناعمة إلى إستراتيجية خشنة، كل ذلك لم يحرك الإدارة الأمريكية في اتجاه دفع الأنظمة على طريق التغيير الديمقراطي بشكل متسارع، والسبب يعود إلى اعتبارات معقدة تتصل بالمكون الواقعي في السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط؛ وهو ما يجعلها دائما أسيرة علاقة الحب والكراهية مع "الأنظمة العربية الصديقة".

عموما فإن التقارير الأمريكية السابقة لم تخفٍ أن التغيير الديمقراطي قد يحمل نتائج عكسية في المنطقة العربية، حتى لو كان ذلك على المدى القصير، لكن اتقارير ذاتها تؤكد أن استمرار الوضع الراهن قد يحمل مخاطر -على المدى الطويل- بالنسبة للولايات المتحدة.

فالخشية بالنسبة للحكومات في هذه النقطة من أن يؤدي التغيير السياسي -أولا- إلى عدم استقرار نتيجة تفشي النزاعات العرقية، وصعود التيارات الإسلامية التي تقف موقف المعارضة من السياسة الأمريكية.

وتخشى واشنطن من أن يقود التغيير السياسي إلى تنحية القادة العرب الذين يشاركون الولايات المتحدة حربها الكونية ضد الإرهاب، وما يترتب على ذلك من تداعيات سلبية على الاستقرار الإقليمي والسلام.

يضاف إلى ذلك أن الولايات المتحدة تخاف من أن تؤدي الضغوط على الحكام العرب للاتجاه نحو الإصلاح السياسي إلى لجوء هؤلاء الحكام إلى تكوين موقف معارض للسياسة الأمريكية، على نطاق أوسع في المنطقة، ولا سيما أن هناك رصيدا من الكراهية لدى الجماهير تجاه السياسة الأمريكية التي ينظرون إليها بوصفها سياسة معادية للعرب والمسلمين، وهناك العديد من المشاهدات التي تؤكد هذه الوجهة من النظر من أفغانستان إلى فلسطين مرورا بالعراق. هذه التحولات -في رأي بعض الدوائر الأمريكية- قد تسهم في إيقاظ تنظيم القاعدة، وخلاياه العديدة، وتمنحه "تربة خصبة" للنمو والانتشار.

هذه الاعتبارات، وغيرها، تجعل الموقف الأمريكي تجاه نشر الديمقراطية يتسم بعدم الاتساق، ويغلب عليه الرغبة في "تطوير النظام القائم"، وليس تغييره على نحو درامي. وبرغم الارتباط بين قضيتي الإرهاب والديمقراطية في الموقف الأمريكي -منذ أحداث 11 سبتمبر 2001- فإن الموقف من الإرهاب يأتي أولا، قبل نشر الديمقراطية.

أن مصالح الولايات المتحدة في المنطقة العربية خاصة مع الدول المحورية تنحصر في أربعة مجالات أساسية:

أولا: الإفادة من الموقع القيادي لتلك الدول في المنطقة العربية والتأثير على الدول الأخرى للتعاون في الحرب ضد الإرهاب.

ثانيا: تدعيم الصوت "المعتدل" في جامعة الدول العربية.

ثالثا: الحفاظ على معاهدات السلام القائمة.

رابعا: التعاون في الدفاع عن الأصدقاء الإقليميين، والتعاون العسكري.

وفي نهاية المطاف يمكننا القول أن التحول الديمقراطي الحقيقي يتوقف على اتخاذ مبادرات فعلية لتطوير الحياة السياسية مثل رفع القيود القانونية المفروضة وتخفيف الضغط على حركة الفاعلين السياسيين، وتفعيل منظمات المجتمع المدني، وإلغاء القوانين المقيدة ومنها حالة الطوارئ، وتمكين البرلمان من ممارسة مهامه التشريعية والرقابية الحقيقية، والتأكيد على حياد أجهزة الأمن على نحو يؤدي إلى حماية الدولة ذاتها من مخاطر عديدة أهمها "الإرهاب" أكثر من حماية النظام من المعارضين، ولا سيما إن كانوا ينتهجون الوسائل السلمية في التعبير عن قناعاتهم.

كل تلك الإصلاحات أومعظمها لا بد من تحقيقها بدرجة أو بأخرى، وإلا فالبديل الآن هو صعود قوى أخرى ليبرالية جديدة لن يتاح لنا ولن يكون بمقدورنا أن نخوف المجتمع الدولي منها.

تقارير

ليست هناك تعليقات: