18 فبراير 2009

المطلوب من سورية !! وضاح عبد ربه

الوطن السورية

ها هو أول وفد أميركي من سلسلة الوفود الثلاثة التي تزور سورية خلال هذا الأسبوع ينهي زيارته الى دمشق بتصريحات أقل ما يمكن وصفها بأنها بعيدة عن الواقع العربي والعالمي والأميركي وقريبة جداً من المنطق والأجندة الإسرائيلية التي كانت تطبقها إدارة بوش السابقة بكل أمانة واقتدار، وإذا كان الوفدان القادمان يوم السبت المقبل لديهما التصور ذاته والمطالب ذاتها ، فربما من الأفضل لهما عدم تكبد عناء السفر الى دمشق لأنهما بكل تأكيد لن يجدا في سورية من سيستمع لإملاءات أميركية وخاصة إذا كانت إسرائيلية المصدر أو إسرائيلية الإلهام.

أمس صرح الوفد الأميركي بما صرح به وطالب بما طالب به وكأنه في دمشق ليملي لا ليستمع أو على الأقل ليحاور.. وأمس اكتشف الصحفيون الذين حضروا المؤتمر الصحفي لرئيس الوفد بنيامين كاردن أن الرجل يتحدث خارج السياق وخارج المنطق وخارج التاريخ والجغرافيا، واستذكرنا من خلال كلامه، الزيارة الشهيرة لكولن باول بعد احتلال العراق ومطالبه العشرة التي غادر دون أن تستجيب دمشق لأي منها قبل أن تؤكد له أن سورية ليست من الدول التي ترتعد خوفاً من وجود جيش أميركي على حدودها وأن سورية لا تعمل ضد مصالح شعبها بل معها، وأن أي مطلب أميركي إن لم يكن منسجماً مع مصلحة سورية وتطلعات السوريين، فلن يقابل إلا بالرفض وبلا أي تردد.

أمس لم يفرق الوفد الأميركي بين المقاومة والارهاب، كما لم يفرق بين الصديق والعدو ولا بين السلام والاستسلام.. فالوفد -على ما يبدو- لم يطلع بعد على نتائج العدوان على غزة.. ولم يطلع على نتائج العدوان على لبنان، ولم يسمع عن الحوار الأوروبي مع حماس ولا عن الانتخابات الفلسطينية الأخيرة التي أتت بحماس إلى السلطة بوجود مراقبين أميركيين وفي مقدمتهم الرئيس الأسبق جيمي كارتر الذي أكد للعالم أجمع أن الانتخابات كانت حرة ونزيهة وأن حماس تم انتخابها ديمقراطياً..

الوفد لم يشاهد ما حصل في غزة، وذلك ربما نتيجة التعتيم الإعلامي على المجازر الإسرائيلية بحق أطفال غزة ونسائها وشيوخها، فتجرأ وتحدث عن حقوق الإنسان، ونسأل أيضاً: ألم يشاهد هذا الوفد ما قام به الجيش الأميركي في العراق من فظائع واغتيالات وسجون سرية وتعذيب وقتل واغتصاب؟ فسمح لنفسه بالحديث عن حقوق الإنسان!!

ألم يطلع وفد أمس على التأييد الشعبي العربي والأوروبي وحتى عند بعض الأميركيين للمقاومة اللبنانية والفلسطينية، فلذلك لا يزال يسميها «منظمات ارهابية»؟ وهل تابع الواقع الجديد الذي أفرزه العدوان الإسرائيلي على غزة وجعل من حماس محاوراً رئيسياً في كل ما يتعلق بالملف الفلسطيني؟

بكل تأكيد الجواب: لا.. فالوفد غرد أمس خارج السرب فكان خارج السياق وبعيداً عن الواقع وغير مدرك لدعوة رئيس بلاده ووزيرة خارجيته للحوار مع إيران، فطالب بابتعاد سورية عن إيران ووصف العلاقة السورية الإيرانية بالمزعجة!! وأجزم أن وفد أمس لم يسمع أصلاً بالتغيير في الإدارة الأميركية لذلك جاء إلينا بالمطالب القديمة التي سبق أن رفضتها سورية، فكان ما كان من عقوبات وتوتر في العلاقات السورية الأميركية بالسنوات الأخيرة إبان حكم بوش وصقوره.

إن السوريين يتطلعون اليوم الى التغيير في السياسة الأميركية لا إلى تغيير السياسة السورية، وإذا كانت التصريحات الرسمية في دمشق تتحدث عن تفاؤل بحذر، فهذا هو الحذر الذي تتحدث عنه سورية.. حذر من أن يكون التغيير شعاراً في واشنطن وليس حقيقة، وأن يكون تغييراً في الداخل وليس في الخارج.

لكن سنبقى متفائلين وخاصة أن وفد كاردن أعلن صراحة في المؤتمر الصحفي أمس، أنه لا يمثل إلا نفسه ولا يمثل إدارته ولا علاقة له بالسلطة التنفيذية للولايات المتحدة الأميركية التي لا تزال تبعث برسائل إيجابية الى دمشق وتريد أن تستمع وتحاور لا أن تملي، وكلنا أمل أن يكون الوفدان القادمان أكثر واقعية وأكثر حيادية وأن يساهما في اطلاق حوار مبني على المصالح المشتركة والصراحة والشفافية وعلى الالتزام الأميركي الكامل بسلام عادل وشامل في المنطقة يعيد الحقوق إلى أصحابها.


الوطن السورية

ليست هناك تعليقات: