8 فبراير 2009

الإسلاميون مصدر لحيوية غير مسبوقة د. عمرو حمزاوي

كبير الباحثين في مركز «كارنيغي» للشرق الأوسط التابع لمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، بيروت

08/02/2009
على الرغم من محافظة الأنظمة الحاكمة في معظم الدول العربية على ثباتها وتماسكها وسيطرتها على
مفاصل الحكم والقرار فيها، شهد العام المنصرم في مختلف مجتمعات العالم العربي تحوّلاً -وإن جزئياً- في التركيبات المجتمعية، بفعل تعاظم دور بعض أحزاب المعارضة بين أوساط الشعوب العربية بشكل يخوّلها ممارسة ضغط معنوي على الحاكم، يجبره على إجراء رقابة ذاتية قبل اتخاذ قراراته، لكن هذه الأحزاب والجماعات على اختلافها لم تتمكن بعد من وضع ضوابط حقيقية على تصرفات المسؤولين العرب، أسوةً بالمعارضات الغربية التي تشكّل حكومات الظلّ وتكون الرقيب والحسيب الواعي دوماً على أعمال الحكومات، بفعل تحرّك معظم الدول العربية تحت شرعية قوانين الطوارئ والأنظمة.

على الرغم من أن الحراك السياسي الذي حدث بصور مختلفة في العالم العربي خلال الآونة الأخيرة لم يقارب بين العالم العربي وبين مشهد التحول الديمقراطي كثيراً، فإنه لم يعدم بعض الآثار والتداعيات المهمة.

فقد أضحت الساحة السياسية في عدد من الدول العربية أكثر انفتاحاً، وذلك على مستويات أربعة يتمثل أولها في تنوّع الفاعلين، إذ لم تعد النخب الحاكمة تحتكر بمفردها الممارسة المشروعة للسياسة، بل أضحت الأحزاب والحركات الإسلامية تزاحمها، فضلاً عن أدوار متفاوتة الأهمية تلعبها التيارات العلمانية، ليبرالية ويسارية.

كذلك برزت مطلبية ديمقراطية جديدة تكونت لها أدوات كالحركات والفعاليات الاحتجاجية التي تجمع بين السياسي والمدني على امتداد العالم العربي، والمستوى الثاني، يشكّل استقرار أشكال متنوعة وإن كانت غير مكتملة من الممارسات الديمقراطية، وجوهره المستوى من الانفتاح، وذلك بتكرار المشهد الانتخابي الرئاسي والتشريعي والمحلي بانتظام من المشرق إلى المغرب، الذي رتب أحياناً غير المتوقع من النتائج.

المحاسبة الشعبية

وثالثاً برزت على نحو تدرّجي ثقافة محاسبة شعبية باتجاه النخب الحاكمة، دفعتها في بعض الحالات إلى تبرير سياستها في سياق خطابات رسمية ديمقراطية الملامح وصياغة برامج إصلاحية حكومية، أما المستوى الرابع والأخير للانفتاح السياسي في العالم العربي، فيرتبط بإعادة اكتشاف القوى السياسية للشارع ودينامية التعبئة الجماهيرية في دول كالمغرب ومصر ولبنان واليمن.

الطريق طويل

بيد أن كل هذا لا يعني أننا أمام مشهد تحول ديمقراطي، ببساطة لأن معادلة السلطة مازالت بيد النخب الحاكمة التي تحول بمزيج من القمع والاحتواء عبر التعددية المقيدة والرعوية من دون تداولها.

وإذا ما استثنينا العراق وفلسطين حيث امتزج إلى حد بعيد تداول السلطة بانهيار النظام العام الذي كان سائداً، تتداخل تكوينات النخب بكثافة مع مؤسسات الدولة على نحو يكرّس الإدارة السلطوية للمجتمع ويتلاشى معه عملياً الخط الفاصل بين ما هو سياسي (نخبة الحكم) وبين ما هو تنفيذي (الدولة بمؤسساتها السيادية وأدواتها البيروقراطية).

ويغيب المشهد الديمقراطي العربي أيضاً لأن الوضعية الهشة والهامشية لأحزاب المعارضة، التي تعمل خارج دوائر الحركات الإسلامية، لم تتغير.

الليبرالية واليسار

وغابت الأحزاب الليبرالية واليسارية عن الوجود العلني في ظل الترتيبات السلطوية الضاغطة، فلم تطوِّر قواعد شعبية حقيقية وتكلّست بالتالي نخبها وخطاباتها وبرامجها.

الأخطر من ذلك، هو أن بعض تلك المؤسسات الحزبية انخرط في الحياة السياسية في ظل نمط التعددية المقيّدة، الذي يميّز الأنظمة شبه السلطوية.

وأخذت تلك المؤسسات، كالمعارضات المغربية والمصرية واليمنية قراراً استراتيجياً بالمشاركة، على الرغم من محدودية فاعليتها وأضحت من ثم تواجه معضلات الاحتواء وفقدان المصداقية.

كذلك تصدّر الأنظمة شبه السلطوية جزءاً من أزمة شرعيتها إلى أحزاب المعارضة التي يرتب غياب قدرتها على الدفع باتجاه تحولات جذرية في النظام السياسي تراجع ثقة المواطنين بها وسحبهم بعيداً عنها.

حيوية الإسلاميين

أما الإسلاميون فهم على النقيض، مصدر لحيوية غير مسبوقة، وتختلف حركات مثل التجمع اليمني للإصلاح والحركة الدستورية الإسلامية في الكويت والإخوان المسلمين في مصر وحزب العدالة والتنمية في المغرب، باختلاف البيئات السياسية العاملة بها ومنطلقاتها التاريخية، لكنها جميعاً تتميز بالتماسك التنظيمي وقدرتها على تجديد نخبها وتطويرها لرأسمال اجتماعي قابل للاستثمار أمام صناديق الانتخاب من خلال الوجود المستمر في الساحات الدينية والخيرية، لكن مشاركة الإسلاميين في الحياة السياسية تطرح عليهم تحديات عميقة جلّها يدور حول متوالية الالتزام الإيديولوجي-البراغماتية وثنائية الرؤية الاستئثارية بحجة سمو المرجعية والمنطلق في مقابل الاعتراف غير المشروط بالتعددية واحتمالية التداول، وهنا يقلل التأرجح البادي على خيارات الإسلاميين من فاعليتهم في الدفع نحو توسيع الهامش الديمقراطي.

باقي المقال :

http://www.alsahwanet.net/print.asp?sub_no=2_2009_02_08_68566

الصحوة . نت

ليست هناك تعليقات: