6 فبراير 2009

أفول «القاعدة» المتنامي وأسراره

مالك عسّاف - إيكونوميست

لم تعد رسائل أسامة بن لادن تستقطب اهتماماً واسعاً هذه الأيام. ومنذ تفجيرات لندن العام 2005 لم تتمكن القاعدة من توجيه أي ضربة للغرب في عقر داره. فقادتها يختبئون في الشريط القبلي الباكستاني خشية أن تطالهم الهجمات المنتظمة لطائرة «بريداتور» غير المأهولة. كما يبدو أن مضيفيهم البشتون قد سئموا منهم. وربما أسوأ ما في الأمر يتمثل في الشجب العلني الذي تتعرض له أيديولوجية القاعدة على أيدي مؤيديها السابقين.

الخلافات بين قادة القاعدة وانخفاض معنويات عناصرها لا يعنيان بأي حال من الأحوال أنها لم تعد قادرة على شن هجمات نوعية. هناك قناعة لدى أجهزة الأمن الغربية بأن هذه الجماعة حاولت تفجير العديد من الطائرات المدنية التي تعبر فوق الأطلسي في العام 2006. كما أنها لا تزال قادرة على أن تشكِّل تهديداً في بعض مناطق آسيا. لكن في الوقت الحالي، يتعين على بن لادن أن يحاول استغلال الأخبار، لا أن يصنعها.

في خطابه المسجل الأخير، والذي بُثَّ في 14 يناير (كانون الثاني)، أعلن أسامة بن لادن أن جهاده ضد الولايات المتحدة منذ العام 2001 هو الذي أدى إلى انهيار الاقتصاد الأميركي. وقال أيضاً إن انتخاب باراك أوباما لن يغير شيئاً، وإن الديمقراطية هي شكل من أشكال «الشرك بالله». ثم أضاف أن الرئيس الأميركي الجديد «أشبه بمن ابتلع سيفاً ذا حدين»، كونه سيشعر بالألم كيفما تحرَّك. فانسحابه من الحروب التي شنها أسلافه سيؤدي إلى إلحاق هزيمة عسكرية به؛ أما استمراره فيها فمن شأنه أن يعمِّق الأزمة الاقتصادية.

فضلاً عن ذلك حاول بن لادن استغلال حالة الغضب التي يشعر بها المسلمون تجاه الحرب التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة. وقال لهم: انسوا المظاهرات والوساطات الدبلوماسية والقادة العرب الخونة؛ الطريقة الوحيدة لهزيمة إسرائيل هي عبر الجهاد. وكان جوناثان إيفانز، رئيس جهاز الاستخبارات المحلي في بريطانيا M15، من بين الكثيرين الذين عبروا عن خشيتهم من أن الحرب الإسرائيلية على غزة قد أدت إلى جنوح مزيد من المسلمين نحو التطرف.

لكن قضية فلسطين تُعتبر مشكلة بقدر ما تُعتبر فرصة بالنسبة إلى القاعدة، التي تريد أن ترتبط بهذه القضية كونها الأقرب إلى قلوب المسلمين. لكنها في الوقت ذاته لا تملك الكثير لتقدِّمه في هذا المجال. الجماعات الأخرى، مثل حماس وحزب الله، حاربت بشراسة ضد إسرائيل. لكن جهاديي القاعدة يعتبرون أن حركة الأخوان المسلمين، التي تُعتبر حماس جزءاً منها، حركة منحرفة، لأن قبولها المشاركة في الانتخابات هو بمثابة تفضيل لقانون البشر على قانون الله. أما حزب الله فينظرون إليه على أنه مرتد كونه يمثل حركة شيعية.

عجز القاعدة عن القيام بأي شيء تجاه فلسطين يرد مراراً وتكراراً عبر الندوات التي تُنظَّم في الإنترنت. كما شكل ذلك جزءاً من الهجوم المضاد الذي شنه سيد إمام الشريف ضد القاعدة، علماً أنه من مؤسسي هذا التنظيم. لكن اختلافه مع قادة القاعدة، وخاصةً مع أيمن الظواهري، أدى إلى انشقاقه عن صفوفها. يقول سيد إمام الشريف، الذي يُعرف بـ«الدكتور فضل» إن القاعدة لم تقدم لفلسطين أي شيء باستثناء الكلمات.

القاعدة تحمِّل الولايات المتحدة مسؤولية المآسي التي يعانيها العالم الإسلامي. لكن الدكتور فضل يقول إن المشكلة تكمن في ضعف المسلمين أنفسهم. كما يتهم القاعدة بتكفير شعوب بأكملها، وبتحليل عقيدة القتل الجماعي. ثم يضيف أن الإسلام يحرِّم حتى قتل النساء والأطفال والمعتوهين والعمال من الكفار.

ويعتبر الدكتور فضل أن الهجمات التي شُنَّت ضد الولايات المتحدة في العام 2001 أدت إلى غزو وتدمير «الدولة الإسلامية» التي أقامتها طالبان. وهذا بدوره أدى إلى مقتل عدد من المسلمين يفوق ما قتل خلال كل الحروب العربية مع إسرائيل. ثم يقول: «كل قطرة دم أريقت في فلسطين والعراق يتحمل مسؤوليتها بن لادن والظواهري وأتباعهما. وليس حديثهما عن فلسطين إلا من قبيل الدعاية الإعلامية».

لكن بعض المراقبين، مثل بروس هوفمان من جامعة جورج تاون، يشككون في جدوى هجوم الدكتور فضل على القاعدة، لاسيما أنه يتم بالتعاون مع أجهزة الأمن المصرية. يقول هوفمان: «الشباب المتحمسون لن يستمعوا إلى هذا العجوز الخرف القابع في زنزانته في أحد السجون المصرية. لكن القاعدة تخشى أن يؤثر ذلك في مصادر تمويلها».

مسؤولو محاربة الإرهاب يقولون إن القاعدة بحاجة ماسة إلى المال. قد يكون شن الهجمات الفردية أمراً رخيصا، لكن إدارة التنظيم وإعالة أسر أولئك الذين قُتلوا، أمر مكلف. وقد تطرَّق بن لادن في خطابه الأخير إلى مسألة المال، قائلاً إنه من واجب المسلمين أن ينخرطوا في «الجهاد المالي». وهل ثمة طريقة أخرى لجمع الأموال أفضل من استحضار مكامن الوجع الفلسطيني الذي لا ينتهي؟

إيلاف / أوان الكويتية

ليست هناك تعليقات: