29 يناير 2009

القاعدة تُعْلِنُ وَقْفَ عملياتها ضِدَّ أمريكا!

القاهرة/ عاصم عبد الماجد / 29 يناير 2009

ليس هذا قرارًا للقاعدة، ولكنه عنوانُ مقالٍ من عندياتي، أقدمه كنصيحة عاجلة جدًّا لقادة القاعدة، فقد كان أول قرارات ( أوباما) - على الإطلاق – تعليق المحاكمات العسكرية لمعتقلي غوانتانامو لمدة أربعة أشهر، وكان من ضمن قرارات يومه الثاني في الرئاسة إغلاق معتقل غوانتانامو خلال عام ، بما يعني أن معتقليه سوف يُفْرَجُ عنهم، أو يتم ترحيلهم إلى بلادهم ، وأنّ من بقي منهم في أمريكا سوف يُحَاكَمُ – إن حوكم أصلًا – أمام محكمة مدنية.

لقد ترجم أوباما – إذن – ما صرح به في خطاب تتويجه، أنه يريد تدشين علاقات جديدة مع العالم الإسلامي، وهذه ملحوظة مهمة جدًّا ..والأكثر أهميةً منها: أنه بَعَثَ أُولَى إشاراته، لا للدول والحكومات المهيمنة على العالم الإسلامي، بل إلي الحركات الإسلامية، المصنفة أمريكيًّا في عهد بوش وما قبله، بأنها منظمات إرهابية، وفي مقدمتها القاعدة ! فهل التقط قادة القاعدة هذه الإشارات، وما هو ردهم؟! وهل سنشهد ردودًا سلبيةً أو تَمَهُّلًا مَعِيبًا، قد يدفع الإدارة الجديدة لتغيير نياتها، تحت وطأة ضغوط ستَتَعَرَّضُ لها دون شك؛ كي تظل أمريكا على مواقفها القديمة، شديدةِ العداء للإسلام والمسلمين .. والإسلاميين ؟!

في تقديري أنه ليس هناك ما يدعو الإسلاميين عمومًا، والقاعدة خصوصًا، للانتظار، بل يجب أنْ تَرُدَّ التحية بمثلها أو أحسن منها، وليس في ديننا ما يمنع ذلك، فالشرع أباح لنا – مع حفاظنا على ثوابتنا العقائدية والشرعية – أن نُصَالِحَ، وأن نُهَادِنَ، وأنْ نُعْلِنَ ذلك، بل وأن نكون نحن البادئين بطلب الصلح، إذا كان في ذلك مصلحة للمسلمين.

ولا شك في أن إشعال المواجهة مع الولايات المتحدة طوال أعوام ثمانية مضت قد أدى إلى تحقيق مفاسد عظيمة .

أولها سقوط دولة أفغانستان الإسلامية السنية، واحتلال دولة العراق وتمزيقها، وتسليمها لقمةً سائغةً لإيران؛ كي تبسط نفوذها غربًا في اتجاه العالم العربي السني .

ومن جملة المفاسد التي حصلت: مطاردة الإسلاميين، ومطاردة أعمالهم الدعوية والخيرية وغيرها في طول العالم وعرضه، وتأليب العالم كله على الإسلاميين.

وفي هذا السياق جاءت الاعتداءات الصهيونية المتكررة على الشعب الفلسطيني ومقاومته، وآخرها جريمة غزة، التي اضطرت إسرائيل لوقفها، مع مجيء أوباما، وفي هذا أيضًا إشارةٌ واضحةٌ من إدارة أوباما الجديدة للمسلمين، وللحركات الإسلامية المقاومة.

وبالجملة، فليس هناك فيما تَحَقَّقَ طوال فترة المواجهات السابقة ما يدفع الحركة الإسلامية للاستمرار في استهداف المصالح الأمريكية، خاصةً وقد تحوَّلَ هذا الاستهداف إلى حرب أبواق فقط ؛ فلم يعد لدى القاعدة- تحديدًا- القدرة على توجيه ضربات عسكرية للمصالح الأمريكية، وهذا واضِحٌ من تراجُعِ، بل تَوَقُّفِ أي عمليات ضد المصالح الأمريكية .

إذن لم تعد القاعدة تملك عمليًّا ما تؤذي به الولايات المتحدة، سوى خطاب تحريض يُوَجِّهُهُ قادتها بين حين وآخر، عسى أن يستجيب له بعض الشباب الإسلامي المتحمس، حتى أصبحنا اليوم – كما قيل في المثل العربي – نسمع جعجعة ولا نرى طِحنًا !! مع الاعتذار عن قسوة الكلمات.

وقد توقعنا منذ سبع سنوات أنّ قدرات القاعدة ستضمحل سريعًا؛ لأنها وسَّعَتْ دائرة المواجهة زمانًا ومكانًا، فاجتمعت عليها حكومات الأرض كُلُّها، مما أدى إلى اعتقال أو استشهاد عشرات الآلاف من الشباب المسلم المنضمين للقاعدة، أو المتعاطفين معها.

بل إن بعض الأنظمة في عالمنا الإسلامي، بَدَتْ وكأنها متلَهِّفَةٌ إلى أن تقوم القاعدة ببعض التفجيرات على أرضها؛ كي تصيرَ أنظمتها القمعية المفتقدة لأدنى تأييد جماهيري مشمولةً بالحماية الأمريكية!

الشيء الوحيد – في تقديري – الذي قد يمنع قادةَ القاعدة من وقف عملياتهم التحريضية ضد الولايات المتحدة، هو ما أعلنه أوباما قبل تنصيبه، من أنه سينسحب من العراق؛ ليركز على المعركة الحقيقية ضد الإرهاب – كما يسمونه - وهي حسب رأيه في أفغانستان، وضد طالبان والقاعدة.

ونحن هنا أمام احتمالين :

الأول منهما: أن يكون أوباما عازمًا بالفعل على الْمُضِيّ قُدُمًا في توسيع الحرب في أفغانستان .

الثاني: أن تكون تصريحاته بهذا الصدد نوعًا من الدعاية الانتخابية، أو تكون مجرد ستار من دخان، ينسحب أوباما في ظلال سحبه الكثيفة من العراق دون أن يتهم بالجبن أو التراجع .

والاحتمال الثاني ليس ضعيفًا، ولا يجب إلغاؤه بالكلية من حساباتنا .

ومن ثَمَّ، فإن إعطاء أوباما فرصةً حقيقية للانسحاب من أفغانستان أيضًا سيكون هو الاختيار الصحيح .

ومع افتراض أن الاحتمال الأول هو الصحيح، فإن من الصحيح أيضًا أن طالبان والقاعدة بإمكانهما إغراء أوباما بترك هذا الخيار، أو على أقل تقدير اختبار نواياه الحقيقية، وهل هو مُصِرٌّ على محاربة الشعب الأفغانيّ، والاستمرار في احتلال أراضيه، أم أنه يبحث فقط عن تأمين الداخل الأمريكي من أَيِّ اعتداءات شبيهة بتلك التي حدثت صبيحة الحادي عشر من سبتمبر ؟

وسواء كان هذا الاحتمال هو الراجح أو ذلك، فإن مما لا خلاف فيه أن أوباما أبدى مرونة في التعامل مع الحركة الإسلامية التي يسمونها إرهابية، وأنه لا بد وأنْ تُبْدِي هذه الحركة مرونةً في مواقفها العملية لتشجيع الإدارة الأمريكية الجديدة على الاستمرار في نهج التهدئة مع الإسلاميين، ولقطع الطريق على مَنْ يحاولون الضغط على أمريكا؛ كي تستمر في نهج المحافظين الجدد ،خاصةً وأنه ليس هناك ما يدعو أوباما، وهو ينسحب من العراق، أن يغرق أكثر وأكثر في المستنقع الأفغاني الذي غاصتْ فيه أقدام الاتحاد السوفيتي، حتى مات فجأة بالسكتة الدماغية.

سبب واحد هو الذي يدفع أوباما لذلك، وهو وجود القاعدة بخطابها التحريضي المستمر على استهداف الداخل الأمريكي والمصالح الأمريكية حول العالم .

إنه يعتقد أن القاعدة ستفرض عليه هذه المواجهة، وفي تقديري أنّ طالبان والقاعدة لو مَنَحَتا أوباما أمانًا - أظنه يبحث عنه ويريده - فإنه لن يتردَّدَ في الانسحاب بسرعة من أفغانستان، كما سيفعل في العراق.

وإني أقترح عليهم – وأرجو أن تصلهم كلماتي هذه – ما يلي :-

أولًا: أن تعلن القاعدة وقف استهداف المصالح الأمريكية في كلماتٍ مقتضبة لا تشتمل على تهديد، أو تحديد مهلة، أو غير ذلك من شروط . فتكون بذلك قد ألقتِ الكرة في الملعب الأمريكي؛ ليتفاعل الرأي العام هناك مع هذا الإعلان .

وأنا أذكر أن أسامة بن لادن قد عرض من قَبْلُ على الإدارة الأمريكية السابقة هدنةً طويلة الأمد، وقد رفض نائب الرئيس الأمريكي آنذاك هذا العرض بِصَلَفٍ كاذب، والوضع الآن – أخي أسامة – مُهَيَّأٌ بدرجةٍ كبيرةٍ جدًّا للتفاعل الإيجابي مع مثل هذا الأمر.

الثاني : أن يعلن قادة طالبان – خاصة الْمُلَّا عمر – أمانًا عامًّا للقوات الأمريكية، إن هي أرادت أن تنسحب من أفغانستان في مدة مناسبة، وأن يقترن ذلك بإعلان وقفٍ فِعْلِيٍّ للعمليات العسكرية على أرض أفغانستان .

الثالث: أن يراقب هؤلاء وهؤلاء صدى إعلاناتهم لمدة زمنية مناسبة ، فإن كان إيجابيًا فَبِها ونعمت .. وإلا كان لهم الحق – كل الحق – في مقاتلة المحتل حتى يندحِرَ.

إنّ أملًا عظيمًا يحدوني أنَّ مِثْلَ هذين الإعلانين سيُثْمِرَان في المستقبل القريب – بل القريب جدًّا – إنهاءً للاحتلال المتعدد الجنسيات لأفغانستان، وسيترك هذا البلد لأهله، الذين لن يرضوا بغير الإسلام منهجَ حياة.

الإسلام اليوم

ليست هناك تعليقات: