المدونة تعيد نشر المقال الذي نشر في 25 إبريل – 2006 بجريدة الأهرامفجأة وبينما يحتفل المصريون كلهم مسلموهم ومسيحيوهم بعيدهم الفرعوني القديم' شم النسيم' الذي تصادف هذه المرة مع عيد آخر وطني غال عليهم أجمعين وهو' عيد تحرير سيناء' من الاحتلال الإسرائيلي إذا بمتفجرات عمياء إرهابية تضرب السائحين الأبرياء منهم ومن الأجانب الذين ذهبوا للاستجمام و'الفسحة' في منطقة دهب في جنوب شرق سيناء علي خليج العقبة. ولم تكن تلك هي المرة الأولي التي تتطاير فيها أشلاء مدنيين أبرياء من المصريين والأجانب في اعتداءات إرهابية خلال العامين الأخيرين فقد وقعت قبل ذلك في طابا مساء السادس من أكتوبر2004 وفي شرم الشيخ فجر الثالث والعشرين من يوليو2005.
وبهذه التفجيرات الإرهابية الأخيرة في منطقة دهب في يوم تحرير سيناء يبدو واضحا أن كل الأعياد القومية الرئيسية لمصر قد انتهكت وأن هناك حرصا- لم يعد محض مصادفة- من الذين خططوا ونفذوا تلك الاعتداءات الإجرامية علي تنفيذها في تلك الأعياد الكبري تشويها لمعانيها الكبيرة لدي المصريين وسعيا إلي تحويلها من أعياد فخار قومي إلي مناسبات حزينة يجتاحها الشعور بالهوان والخزي.
هذا العمد الواضح في اختيار تلك التواريخ القومية المصرية ليتم فيها توجيه تلك الضربات الإرهابية الموجعة في سيناء يبدو هو العنصر المشترك الأول بين ما جري في طاب وشرم الشيخ ودهب. ويبدو العنصر الجغرافي هو العامل الثاني المشترك بين الاعتداءات الثلاثة فالمناطق الثلاث تقع جميعها في أقصي الحدود المصرية الشرقية المطلة علي خليج العقبة وليس حتي في قلب سيناء أو مناطقها الشمالية المطلة علي البحر المتوسط أو الغربية المطلة علي خليج السويس.
وهنا يبرز التساؤل الرئيسي: لماذا تركزت تلك العمليات الإرهابية في تلك المنطقة دون غيرها ولماذا لم نر في وادي النيل حيث الأغلبية من المجتمع المصري أي نوع مشابه لهذه العمليات الكبيرة ذات الطابع المحترف ويظهر هنا العامل الثالث المشترك بين تلك العمليات الإرهابية وهو استهدافها مناطق يطلق عليها خبراء الأمن والإرهاب' أهدافا صعبة' وبخاصة طابا المتاخمة للحدود المصرية الإسرائيلية وشرم الشيخ التي تمثل المقر الرئيسي للقاءات الرئيس حسني مبارك الإقليمية والدولية.
فمخططو ومنفذو هذه العلميات الثلاث لم يكن هدفهم الأول كما هو واضح هو ضرب مناطق سياحية كثيفة فهذه المناطق موجودة في كل أرجاء مصر بل ربما كان القصد الأول هو استهداف مناطق ذات طبيعة أمنية حساسة وصعبة بما يؤكد قدرتهم علي ضربها وتجاوز كافة الإجراءات الأمنية الصارمة المتخذة فيها.
هذه العناصر الثلاثة المشتركة بين اعتداءات سيناء الإرهابية لايكتمل معناها سوي بالتعرف علي حقيقة الرسالة التي أراد المجرمون الذين خططوا لها ونفذوها أن تصل لمن يهمه الأمر. ومن يهمه الأمر هنا هو الشعب المصري كله وفي مقدمته نظام حكمه بكل أركانه السياسية والأمنية أما الرسالة فهي' إننا استطعنا تلويث وانتهاك كل أعيادكم القومية الكبري ونجحنا في اختراق بعض من أصعب مناطقكم الأمنية وهانحن نضربكم تباعا وتكرارا في سيناء تلك التي زعمتم وفرحتم بأنكم حررتموها من الاحتلال وأنتم لا تستطيعون اليوم حمايتها منا'. ذلك هو جوهر الرسالة التي بعثها من خططوا ونفذوا الاعتداءات الإرهابية الثلاثة وهي رسالة تهدف إلي إهانة المصريين جميعا شعبا وحكومة والحط من شأنهم وأي تصورات قد يسعون لتحقيقها لدور مصري عربي أو إقليمي فعال ونشط.
هذه النوعية من اختيار تواريخ ومناطق العمليات الإرهابية التي وقعت في سيناء لا تتطابق مع طريقة تفكير وإمكانيات وسوابق الجماعات والتنظيمات الإسلامية المتطرفة والإرهابية التي عرفناها خلال السنوات الأخيرة التالية لهجمات الحادي عشر من سبتمبر2001.
والقول بأن سيناء أضحت اليوم المكان المفضل لاختباء بعض الخلايا الإرهابية الإسلامية النائمة قول يتناقض مع أي تحليل منطقي رصين يتساءل: لماذا تظهر تلك الخلايا فقط في سيناء ذات النصف مليون نسمة فقط من السكان ولا تظهر في وادي النيل حيث أكثر من أربعة وسبعين مليون مصري يعيشون أما القول بأن فرعا ما تابعا لتنظيم القاعدة مباشرة أو مستوحيا نموذجها قد قام بتلك العمليات الإجرامية فهو الآخر يقوم علي غير أساس ويكفي للتأكيد هنا معرفة أنه منذ وقوع تفجيرات طابا في أكتوبر2004 وحتي اليوم ألقي زعيم القاعدة أسامة بن لادن نحو خمس كلمات بينما ألقي نائبه المصري أيمن الظواهري نحو خمسة عشر لم يتطرق فيها أي منهما لتفجيرات سيناء بأي نوع من الإشادة أو التحية علي الرغم من أن الأخير تحديدا لم يكف عن نقد النظام المصري في معظم كلماته هذه.
فهل يعقل أن يتجاهل زعيما القاعدة وخاصة الظواهري المصري أحداثا كبيرة اهتم بها العالم كله وكان يمكن لهما أن ينسباها بسهولة إلي تنظيمهم أو فروعه إذا كانوا يعلمون أن أحدا من أتباعهم أو مؤيديهم قد قام بها وكيف يمكن أن نفسر حرصهما علي النأي بنفسيهما وبتنظيمهما وبفروعه ونماذجه عن تلك الهجمات الإرهابية علي غير عادتهم
إن التوصل للجناة الحقيقيين وراء تلك العمليات الإرهابية المتتابعة وبخصائصها تلك يستلزم أمرين: الأول هو فتح التحقيق أمام كل الاحتمالات الممكنة ولو أضعفها وفي مقدمتها الاختراق الأمني الخارجي في تلك المنطقة الحساسة من أرض مصر علي حدودها الشرقية والثاني أن يتم التفكير في تشكيل مجلس أعلي مشترك للأمن في مصر بين كل الأجهزة المعنية تكون مهمته المواجهة الجادة والعلمية والحازمة ضمن قواعد الدستور والقانون لظاهرة الإرهاب في مصر عموما وفي سيناء الحبيبة خصوصا.
الأهرام
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق