ليس سرا أن ثورة 25 يناير المجيدة في مصر الشقيقة، والتغيير الذي حدث في السياسة الخارجية المصرية بسبب هذه الثورة، قد اربكا اسرائيل وخلطا أوراق اللعب الاسرائيلية. فالنظام السابق المخلوع كان مواليا لاسرائيل على حساب انتمائها العربي، والتزامها التاريخي بدعم القضية الفلسطينية على وجه الخصوص. وما إغلاق معبر رفح والسكوت عن العدوان الاسرائيلي على القطاع مطلع العام 2009، إلا نموذجين على هذه السياسة المتخبطة التي كانت من الأسباب الرئيسة لثورة الشعب المصري على نظام مبارك.
وهناك اعتقاد لدى كثير من المحللين بأن تداعيات حادث إيلات الذي وقع يوم الخميس الماضي، وما واكبه من قتل جنود مصريين بنيران اسرائيلية أتاح لإسرائيل نوعا من اختبار رد الفعل المصري على هذه الاستفزازات الاسرائيلية. ومن السابق لأوانه بطبيعة الحال معرفة ملابسات استشهاد الجنود المصريين، وهو ما طالبت به الحكومة المصرية من خلال إجراء تحقيق يكشف ظروف الاشتباكات التي وقعت على جانبي الحدود. لكن ما حدث قد حدث، وقد أثار ذلك غضب الجمهور المصري فارتفعت المطالب ليس فقط بإجراء تحقيق، وإنما أيضا بإعادة السفير الاسرائيلي في القاهرة، وإعادة النظر في اتفاقية السلام المصرية- الاسرائيلية.
وفي الوقت الذي يعترف فيه المسؤولون الاسرائيليون بأن معاهدة كامب ديفيد مع اسرائيل استراتيجية، وقد ساعدت على تهدئة الحدود مع مصر منذ توقيعها عام 1979، فإنهم لا يبالون بإطلاق تصريحات من نوع ما صدر عن تسيبي ليفني زعيمة حزب "كاديما" المعارض والتي وصلت في حدتها درجة اعتبار أن حدود اسرائيل مع مصر لم تعد حدود سلام، وهذا بحد ذاته استفزاز آخر لمصر، في وقت من المفروض فيه أن المصريين منشغلون بعملية الانتقال من عهد الدكتاتورية إلى آفاق الحرية والديموقراطية والتعددية السياسية، والتداول السلمي للسلطة عبر صناديق الاقتراع.
وما تقوم به اسرائيل حاليا، سواء لجهة غاراتها الجوية المكثفة على قطاع غزة، أم استهانتها بحرمة الحدود المصرية هو نوع من اللعب بالنار لا يعرف أحد عواقبه وما سينجم عنه. لأن المنطقة تشبه برميلا من البارود ينتظر عود ثقاب فقط لينفجر. ومن المفروض أن لا تتعامل الحكومة الاسرائيلية مع الوضع الراهن، من خلال منطق القوة والردع الذي اعتادت اللجوء إليه بسبب، أو حتى دون سبب.
وكما قلنا في أكثر من مناسبة، فإن السبيل الوحيد لنزع فتيل الأزمة في المنطقة يتمثل في إنهاء الاحتلال وتصفية الظاهرة الاستيطانية وعدم وقوف اسرائيل في وجه إقامة الدولة الفلسطينية في حدود 1967. لأن ذلك فقط وليس تكريس الاحتلال والاستيطان هو مفتاح الاستقرار والأمن الحقيقي لكل الشعوب التي تعيش في الشرق الأوسط .
أما اختبار صبر القيادة المصرية المؤقتة، والضغط على أعصاب أبناء الشعبين المصري والفلسطيني فهو لعب بالنار ولن يكون في مصلحة أحد. لكن القادة في اسرائيل لم يظهروا بعد القدر الكافي من الحكمة والتبصر للابتعاد عن طريق المواجهات، وتجربة أسلوب آخر هو التعامل الجاد والمخلص مع عملية السلام التي نجحوا فقط في هدمها، وفي الرقص على أنقاضها.
صحيفة القدس الفلسطينية - 21 اغسطس - آب 2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق