ما بين النظر إلى أرض الواقع الذي تعيشه التنظيمات السلفية الجهادية في سيناء وقطاع غزة وما بين ما يروجه الإعلام العالمي، يقف المتابع للأحداث في حيرة وترقب بين أن ينظر بعين الواقع على الارض وبين ما تروج له وسائل الإعلام الدولية من قرب تشكيل الإمارة الإسلامية في غزة وسيناء.
والحقيقة أن ما يروج له الإعلام العالمي والواقع على الارض لم يعد يختلف كثيرا، فمهما حاولنا التستر علي الحقيقة، إلا ان واقع التنظيمات الجهادية على الارض ينذر بالخطر المحدق في كل الاتجاهات، شمالا وشرقا وجنوبا .
فلم يعد الخطر الارهابي في تلك المنطقة يحدق بالأراضي الإسرائيلية وحدها، فقد بات الخطر يهدد الجميع على الارض ، فالخطورة على الجوانب الاخرى باتت تتمثل في محاولات تقويض سلطات حركتي حماس في غزة وجماعة الاخوان المسلمين في مصر، على حد سواء .
سيناء باتت مهددة على كل الصعد، فما يحدث في سيناء الان وربما ما يتم الاعداد له في المستقبل القريب، يتشابه إلى حد التماثل مما جرى مسبقا في العراق، رغم ما تحاول بعض قيادات الجماعات الجهادية في غزة وسيناء من إخفاءه.
فغزة على الخصوص وسيناء المتاخمة لها -والتي يرتبطان ببعضهما بروابط اجتماعية وجغرافية لا يمكن فصلهما عن بعضهما البعض في المصير والمآلات - لا يمكن التغاضي عن الخطر الارهابي الذي يحيط بهما ، والذي يتمثل ربما في تشكيل تنظيم القاعدة المربط مباشرة بالتنظيم الام في أفغانستان .
فقد مررنا ونمر الان بمرحلة إرتباط تلك التنظيمات الجهادية في سيناء منهجيا بتنظيم القاعدة الام ، ولا يخفى علينا تصريحات "أبو العيناء الأنصاري" لصحيفة القدس الفلسطيني، التي أشار فيها إلى أن "هناك اتصالات دائمة بين غزة والخارج، والشهيد السعيدني كان من المنظرين المعروفين في سيناء والأردن وغيرها، وأنه كان مشرفاً خاصاً في منبر التوحيد والجهاد، التابع للمنظر السلفي الجهادي المعروف بـ "أبي محمد المقدسي" المعتقل في الأردن، والذي يُعد الأب الروحي لقائد تنظيم القاعدة السابق في العراق، أبو مصعب الزرقاوي، وأن للسعيدني العديد من الفتاوي الشرعية التي تتعلق بالجهاد والشريعة الإسلامية، كما كان رئيساً لمجلس الإفتاء الشرعي في جماعة شوري المجاهدين".
ومن هذا التصريح نصل إلى نتيجة ان الواقع على الارض لا يختلف كثيرا الان عما كانت تروج له وسائل الإعلام عن قرب تشكيل إمارة إسلامية قد تأخذ أوامرها من الخارج في المستقبل القريب ، فلو استدعنا ما جرى في العراق ، من تشكيل القاعدة في العراق على يد ابو مصعب الزرقاوي الاردني الذي تتلمذ على يد "ابو محمد المقدسي" منظر القاعدة الاردني المعتقل الان ، وما تبعه من تشكيل مجلس شورى المجاهدين في العراق (الذي يتشابه معه إلى حد كبير تنظيم مَجلِسِ شُورَى المُجَاهِدِين - أَكنَافُ بَيتِ المَقدِس-)، الذي قتل زعيمه هشام السعيدني أبو الوليد المقدسي، وقيادي آخر من مؤسسي أنصار السنة في قصف إسرائيلي، والاتجاه بعد ذلك إلى إعلان دولة العراق الإسلامية ، لهو خير دليل على الخطر المحدق الذي تعيشه غزة وسيناء من بروز تشكيلات إرهابية تتلقى أوامرها من التنظيم الأم في أفغانستان ، وإن كان الاتصال المنهجي بين التنظيمات الفرعية والام، لا يقل خطورة عن الاتصال المباشر والاوامر التي تصدر من التنظيم الام.
لكن ما الفرق الان بين ما جرى في العراق والجزائر على سبيل المثال وما يجري في سيناء وغزة الان، هل من فروق تؤدي إلى اختلاف النتائج والمحصلات ام ان المآلات والنتائج واحدة ونحن في انتظار عملية كبرى يخرج بها تنظيم مجلس شورى المجاهدين إلى العالمية عبر عملية "مركبة ومعقدة وعلى عدة مراحل"، كما كشف التنظي ، يقدمها قربانا لزعيم التنظيم الذي بدوره يعتمده ويزكيه ممثلا للتنظيم في غزة أو سيناء ؟
الواقع يؤكد وجود عناصر جهادية هاربة وخلايا إرهابية انضمت الى التنظيمات الشبابية الصغيرة في غزة وسيناء وباتت تمثل تلك الجماعات السلفية في رفح المصرية والفلسطينية وسيناء والمناطق المجاورة، ربما تجمعا متفرقا للتنظيم المرتقب.
طرح محمد خليل الحكايمة زعيم ما يسمى (القاعدة في أرض الكنانة) فكرة القاعدة في فلسطين وهو ما ووجه بمعارضة شديدة من حماس وجماعات المقاومة في غزة، والتنظيمات الإسلامية التقليدية وبعض المحسوبين على التيار الجهادي في مصر ، وانتهى فيما بعد بمقتل الرجل في افغانستان.
كانت بداية محاولات الالتحاق بالتنظيم الام للجماعات السلفية الجهادية في غزة حينما حاول زعيم تنظيم جند انصار الله في غزة إعلان الإمارة الإسلامية وهو ما وجه برد فعل عنيف من حركة المقاومة الإسلامية "حماس" (إخوانية المنهج) المختلفة مع السلفية الجهادية في التوجه والمنهج الذي اعتبرته تنظيمًا مصنوعا موجها لإثارة القلاقل في القطاع وإحراج حماس واٌثبات تخبطها وضعف قدرتها على إدارةها لقطاع غزة .
ويمكن اعتبار "القاعدة في المغرب الإسلامي" تنظيما مشابها لتنظيم دولة العراق، مع الاختلاف وهو ان القاعدة في الجزائر مرت بتحولات ومراحل شديدة الدموية، وهو ما أثر على التنظيمات الجهادية في المغرب وجعلها تمارس العنف بقوة منقطعة النظير عن تنظيمات القاعدة في مناطق أخرى، وهنا لا يمكن ان ننسى ما جرى لتنظيم الجماعة السلفية للدعوة والقتال الجزائرية، التي ولدت بدورها من رحم الجماعة الإسلامية المسلحة.
ففي 2006 أعلنت الجماعة السلفية انضمامها إلى تنظيم القاعدة الذي كان يقوده أسامة بن لادن زعيم التنظيم الراحل، ومبايعة الدكتور أيمن الظواهري، لدروكدال ( في فيديو ظهرا فيه معا)، زعيما للتنظيم، بعد عمليتي الإعتداءين الذي نفذهما على ثكنة للشرطة بدلس بولاية بومرداس ومعسكر تابع للجيش الوطني بسيدي علي بوناب، قبل أن تتسمى في 2007 رسميًا وبعد تزكية الظواهري لعبد المالك درودكال (أبو مصعب عبد الودود) وتوليته أميرًا للتنظيم باسم "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي".
في 2006 أعلنت قيادة "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" من جهتها مبايعة ضمنية للظواهري ثم تزكية أيمن الظواهري "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" التي نشرت في موقع البراق فيلم "ظلال السيوف"، حيث نشرت تفاصيل العمليتين الارهابيتين انطلاقا من التحضير لهما وحاولت من خلال بث صور عن الجريمتين التأكيد على "استهداف أفراد الأمن وليس المدنيين"(...) بعد أن رافقت العمليات الانتحارية موجة استياء كبيرة في صفوف التنظيم، خاصة في ظل العجز عن تقديم تبرير شرعي لهذه العمليات.
وفي العراق الذي مر باحتلال شديد الوطأة صنع وأعاد بقوة فكرة المقاومة والجهاد ضد المحتل في العراق، وهو ما ادى بسرعة عبر سنوات قليلة جدا - بعد عغمليات عنف وقصف وتدمير للعراق - إلى تشكيل تنظيمات عديدة ظهر على غرارها تنظيم القاعدة في العراق الذي تحول بعد ذلك على ايدي الزرقاوي المعروف بتشدده الكبير إلى دولة العراق الإسلامية والارتبط بالتنظيم الام في افغانستان .
وعودة إلى غزة وسيناء ، فنظرة ممعنة نكتشف سريعًا أنه لا فرق الان بين التنظيمات الجهادية التي توجد في غزة وسيناء والتنظيمات الجهادية الاخرى التي شكلت القاعدة في المعغرب والعراق ، فالمنطلقات واحدة هي الاحتلال والقتل والتدمير والدفاع عن القضية الفلسطينية، والعنف يمارس بنفس الوتيرة مع اختلاف المناطق الجغرافية، ربما مع اختلاف طفيف واحد غير جوهري وهو ان التنظيمات الجهادية في سيناء لم تتعرض لقدر من العنف يعادل ما عانته التشكيلات الجهادية في الجزائر مثلا التي قتل مئات الآلاف على يد الجيش الجزائري حينما فازت الجماعة السلفية للدعوة والقتال في الانتخابات البرلمانية.
خلاصة القول نحن في غزة وسيناء أمام واقع ووقائع متشابهة إلى حد كبير ومنطلقات وأسباب قيام تنظيمات جهادية متطرفة في العراق والجزائر لا تختلف كثيرا في بداياتها عن بدايات تنظيمات سلفية جهادية في غزة وسيناء، وربما لا يفرق بين وصولها إلى التنظيمات العالمية، اللهم إلا ربما بعض الارتباطات، او ممارسات دموية اكثر عنفا وتوريطا لتلك التنظيمات، و ربما عملية كبرى "معقدة ومركبة وعلى عدة مراحل" تظهر بها تلك التنظيمات إلى العالمية، وتعلن بها مبايعة ضمنية للظواهري، ثم مرحلة تزكية زعيم للتنظيم في هذا المستطيل الامني المتوتر والمضطرب، الذي يوشك أن يشعل المنطقة برمتها .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق