27 يوليو 2008

الموساد يخترق السودان

على مدى الشهور الماضية، وردت أخبار هروب أعداد من السودانيين من أبناء دارفور إلى الكيان الصهيوني عبر سيناء, واستطاعت أجهزة الأمن المصرية ضبط بعضهم, والبعض الآخر وصل بالفعل إلى تل ابيب، ويسعى الآن إلى إنهاء إجراءات حصوله على الجنسية الإسرائيلية, والسؤال هل الأمر بالفعل يمثل مفاجأة، ام انه مرتب جيدا ومنذ فترة، وهل هذا الهروب المتتالي للسودانيين نحو إسرائيل له علاقة خفية بوجود إسرائيلي سري في المناطق التي أتوا منها، وتحديدا من دارفور، وما هي ـ ان صح فعلا ـ جذور هذا الوجود وحقائقه؟

تساؤلات حاولنا ان نبحث عن إجابة لها, فوجدنا كما هائلا من المعلومات والأسرار الخطيرة لهذا الدور الإسرائيلي، وتحديدا للموساد في تلك البلاد الفقيرة, والتي يقال ان البترول قد بدأ يتفجر منها، وان هذا الوجود للموساد يرتبط بفكرة تطويق البلاد العربية (وتحديدا مصر) من الجنوب لاحتمالات حروب مستقبلية، وتصبح دارفور، بل وغالب دول جنوب الصحراء ساحة كبرى لتصفية الخلافات والصراعات بين إسرائيل والعرب.

فنحن إذن، أمام مخطط أكبر من لاعبيه المحليين، سواء كانوا أهل دارفور أو أهل الحكم في الخرطوم, ولكي نفهم أبعاده جيدا لابد من التنقيب عن بعض المعلومات المفيدة في ملفه الغامض والخطر في آن واحد، فماذا تقول تلك المعلومات، في البداية يحدثنا التاريخ ان السودان كان من بين الدول المرشحة لتوطين اليهود قبل فلسطين، فقد كتب اليهودي "واربورت"، الخبير بشؤون الفلاشا عام 1900م اقتراحا إلى اللورد "كرومر" في القاهرة بذلك.

وقدم يهودي آخر هو"أبراهام جلانت" نفس الاقتراح عام 1907م إلى رئيس المنظمة الإقليمية اليهودية، وبالتالي، كان السودان محط اهتمام اليهود منذ اكثر من مئة عام، ولكنه تركز بشكل أكبر على الجنوب، حيث الأرضية المهيأة لتحقيق أطماعهم في السيطرة على منابع النيل والإيفاء بوعد إسرائيل الكبرى.

وقد أدركت الحركة الشعبية لتحرير السودان ذلك جيدا، فتفانت في نسج خيوط التقارب والتعاون معها، وبدأت زيارات زعمائها تتكرر إلى إسرائيل، واستطاعت إسرائيل ان تدرب حوالى عشرين ألف مقاتل متمرد على حدود أوغندا الشمالية، وان تقيم جسرا جويا إلى مناطق التمرد في مارس 1994، كما انها توفد باستمرار خبراءها العسكريين إلى الجنوب، حتى بعد ان قاموا باغتيال جون قرنق رغم علاقاته التاريخية معهم, ولكنهم كانوا يريدون تدمير السودان وإدخاله في حروب وفتن.

ان أواصر هذا التعاون تتأكد بصورة أكبر حين نعلم ان من بين قادة التمرد "ديفيد بسيوني" اليهودي الأصل، والذي كان مرشحا لرئاسة حكومة الجنوب، التي أعلن عن تكوينها التمرد في أبريل من عام 2001، بل ان متحف ما يسمى زورا وكذبا بمحرقة ضحايا النازية (الهولوكوست) أعلن في نيويورك تضامنه مع الجنوبيين المسيحيين وقال: "انهم يتعرضون للإبادة الجماعية والتطهير العرقي"، وكون لجنة تعرف بـ (لجنة الضمير)، يرأسها اليهودي "جيري فاولر" لهذا الغرض، واقامت اللجنة معرضا ملحقا بالمتحف يصور "مآسي حرب الجنوب"، كما يبذل اللوبي اليهودي مع اليمين الديني ضغطا منظما على الإدارة الاميركية ومجلس الشيوخ، لتبني مشروع حركة التمرد.

وفي كتاب وثائقي صدر عام 2002 عن مركز ديان لأبحاث الشرق الأوسط وأفريقيا في جامعة تل أبيب للعميد في المخابرات الإسرائيلية "موشي فرجي" بعنوان "إسرائيل وحركة تحرير جنوب السودان"، يوضح الكاتب ان "بن غوريون" أسس الانطلاقة لفرضية رئيسية أقام عليها الإسرائيليون تعاونهم ودعمهم غير المحدود للأقليات العرقية والدينية في الوطن العربي.

وقد اصدر بن غوريون اوامره إلى اجهزة الأمن للاتصال بزعامات الأقليات في العراق والسودان واقامة علاقات مختلفة معها، وقد سبق ذلك ايجاد محطات اتصال في كل من إثيوبيا، واوغندا، وكينيا، وزائير.

وكان القرار الإسرائيلي بدعم حركات المقاومة، وان جون جارنج كان صلة الوصل الرئيسية، حيث قدم له الدعم العسكري والسياسي والاقتصادي والإعلامي، وانتشرت شبكات الموساد في شمال العراق وجنوب السودان وجمعت المعلومات عن الأوضاع العامة في كل من الحيزين الجغرافيين، ومعلومات خاصة عن قرنق الحاصل على درجة الماجستير من جامعة "إيفا" في الولايات المتحدة الاميركية.

وفور انتهاء دراسته، تلقى دورات عسكرية فيها، اضافة إلى دورة عسكرية خاصة في كلية الأمن القومي الإسرائيلي، وقرنق نفسه في بداية عام 1992م قال في أسمرة العاصمة الإرتيرية اثناء زيارته لها ولقائه مع مسؤول إسرائيلي كبير في وزارة الدفاع، معترفا بفضل إسرائيل عليه وعلى حركته: "انتم ظهر الجماعات والأقليات المقهورة، ولولاكم لما تحرر الأكراد من العبودية العربية، ولما نفض الجنوبيون في السودان عن كاهلهم غبار الخضوع والخنوع والذل والعبودية، ونحن نتطلع إلى استمرار هذا الدور، حتى بعد ان يتمكن الجنوبيون من تشكيل كيان سياسي وقومي خاص بهم متسلحا ومنفصلا عن سيطرة الشمال".

وقد استمر هذا الدعم الإسرائيلي بكل انواعه في ظل حكومات (رابين وشامير ونتنياهو)، كما ان ضباط من أصل إثيوبي يخدمون في الجيش "الإسرائيلي"، ومنذ عام 1992م، تولوا مهمة تدريب الجيش الشعبي السوداني وتسليحه، ووضعوا تحت تصرف قرنق وهم من يهود الفلاشا، هاجروا إلى الأرض المحتلة منذ منتصف الثمانينات.

ويؤكد "فرجى" ان دور إسرائيل بعد انفصال الجنوب وتحويل جيشه إلى جيش نظامي سيكون رئيسيا وكبيرا، ويكاد يكون تكوينه وتدريبه وإعداده صناعة كاملة من قبل الإسرائيليين، وسيكون التأثير الإسرائيلي عليه ممتدا حتى الخرطوم، ولن يكون قاصرا على مناطق الجنوب، بل سيمتد إلى كافة ارجائه ليتحقق الحلم الإستراتيجي الإسرائيلي في تطويق مصر، ونزع مصادر الخطر المستقبلي المحتمل ضدنا، وهذا تقريبا ما جرى, وعندما حاول (قرنق) ان يعترض أو يعدل مسار التوظيف الإسرائيلي، تم اغتياله، بالتنسيق مع أوغندا، كما صرحت بذلك زوجته.

ولم يقتصر الدور الإسرائيلي في الجنوب فقط، بل امتد أيضا إلى دارفور، في هذا السياق نذكر ما قاله د. مصطفى عثمان إسماعيل في الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب في القاهرة عام 1924م، لبحث أزمة دارفور، حيث اتهم إسرائيل صراحة بلعب دور رئيس في تصعيد الأحداث في دارفور، حيث قال: ان المعلومات التي لدينا تؤكد ما تردد في أجهزة الإعلام من وجود دعم إسرائيلي، وان الأيام القادمة ستكشف عن الكثير من الاتصالات الإسرائيلية مع المتمردين.

ولعل أبرز دليل على ذلك، ما قاله سفير إسرائيل في الأمم المتحدة عندما تحدث عن الجدار الفاصل في الضفة الغربية، حيث بدأ حديثه عن دارفور وما يفعله العرب هناك، إضافة إلى تحرك الجاليات اليهودية لإثارة الأقاويل عن أحداث دارفور.

بل ان وزيرة الخارجية الإسرائيلية "تسيبي ليفني"، أعلنت بتبجح في 24 / 5 /2006م ان حكومتها ستساعد في إيجاد حل للأزمة في إقليم دارفور السوداني، وذلك خلال لقاء جمعها مع عدد من السفراء الأفارقة في تل أبيب، حيث ناقشت معهم الأزمة في الإقليم.

ولم تكن الاتهامات لإسرائيل سودانية فقط، فقد كشفت أجهزة الأمن الأردنية عن وجود اثنين من مهربي الأسلحة يحملون جوازات سفر إسرائيلية، تبين من التحقيقات التي تمت معهما تورطهما في تهريب أسلحة لمتمردي دارفور، وان من بين المتهمين رجل يعمل بصورة مباشرة مع "داني ياتوم" الابن الأصغر لمدير الموساد السابق، وهو الذي أدلى بمعلومات مؤكدة تفيد بتورطه و"شيمون ناور"، وهو صاحب شركة استيراد وتصدير إسرائيلية، في تهريب أسلحة لإقليم دارفور، وانهم ساعدوا بعض الأفراد من حركات التمرد في الإقليم السوداني، بتلقي التدريبات العسكرية في إسرائيل بصفة رسمية، وخلال تطور الأحداث كان الدعم الإسرائيلي غير المحدود لحركات التمرد في الإقليم وتسلحهم وإغراق الإقليم بالأسلحة، حتى أصبحت دارفور مستوردا أساسيا للسلاح في أفريقيا، وبالطبع فان التطور الخطير والسريع لقضية دارفور يؤكد خروج التورط الإسرائيلي فيه إلى العلن.

ان الهدف الاميركي الإسرائيلي، هو تحقيق انفصال دارفور أولا، ثم تفتيت السودان وغيره من دول القارة الأفريقية، فضلا عن ان السودان أولا دولة عربية و إسلامية، فيجب تدميرها، إضافة إلى انها تمثل العمق الاستراتيجي الجنوبي لمصر، وبالتالي فان عدم استقرار السودان يؤثر بشكل قوى على مصر.

فالسياسة الإسرائيلية تستهدف تهديد الأمن العربي بصفة عامة والمصري بصفة خاصة، بمحاولة زيادة نفوذها في الدول المتحكمة في مياه النيل من منابعه، مع التركيز على إقامة مشروعات زراعية تعتمد على سحب المياه من بحيرة فيكتوريا، وهي تعتمد في تحقيق ذلك على خلق المشاكل والتوترات بين الأقطار العربية والأفريقية، بما يشغل مصر عن القضية الفلسطينية.


كما تستهدف السياسة الإسرائيلية، الحصول على تسهيلات عسكرية في دول منابع النيل واستخدام القواعد الجوية والبحرية، وهنا نؤكد ان لدى إسرائيل خمس قواعد عسكرية في جزيرة حنيش وهلك بأثيوبيا, فضلا عن أخرى بالقارة السمراء، هدفها جميعها التجسس على الأقطار العربية، إضافة إلى تصريف منتجات الصناعة العسكرية الإسرائيلية، وخلق كوادر عسكرية أفريقية تدين لها بالولاء.

إلى جانب هذه الأهداف، فان إسرائيل تعنيها دائما قضية الحصول على المياه، وفكرة تحويل جزء من مياه النيل إلى صحراء النقب عبر سيناء، فكرة إسرائيلية قديمة، تقدم بها "هرتزل" عام 1903م إلى الحكومة البريطانية، وتكررت المحاولات الإسرائيلية الحثيثة منذ السبعينات للحصول على نصيب من مياه النيل. وعلى الرغم من استمرار الرفض المصري الرسمي والشعبي، فان المشروع لم يتم إلغاؤه من الوجود، فهو بمثابة حلم لإسرائيل، ينتظر الفرصة المناسبة لتحقيقه، في ظل مستجدات الظروف السياسية والاقتصادية في المنطقة.

ان الاختراق الإسرائيلي للسودان, جنوبه وشماله شرقه وغربه, بات واضحا وجليا, الحقائق بشأنه تترى، وهي تحتاج إلى مواجهة عربية جادة, تحتاج إلى عدم ترك (السودان) لوحده، فان ما سيجري له وفقا للمخطط الصهيوني، سيكون مهددا مباشرا للأمن القومي العربي, وخاصة للدولة الأكبر, لمصر, فهل يدرك الحكام فيها ذلك، أم انهم لا يزالون يتعاملون مع قضايا الأمة بعقلية الانعزال, والدور الوظيفي المساند لواشنطن حتى لو كان على حساب امنهم القومي، تساؤل يحتاج إلى إجابة.

* د. رفعت سيد أحمد

نقلاً عن موقع العالم

هناك تعليق واحد:

Unknown يقول...

يشارك المصريين بصورة كبيرة فى اضفاء الشرعية على كيان العدو اولا بالتطبيع وفرض حصار على مجاهدى غزة ومحاربة المقاومة الاسلامية وفرض القيود على الفكر الاسلامى فاصبح المجتمع متلقى لداعرات لبنان وتونس وهم براءى طلائع الغزو الاسرائيلى ثانيا بأيعاز من الولايات الامريكية فرضت شبه عزلة عربية رغم زخم الحديث عن عروبة السودان فأصبح السودان لوحده يجابه مكائد العدو الصهيونى فأصبح الامل بما قد يحدث بالقوقاز رغم اقتناعنا بأن اسرائيل هى ايضا وراء تضارب حلف الاطلسى وروسيا لغرض فى نفسها فلربما تسفر عن فك الحصار عن بلدى الحبيب