28 يونيو 2008

أقباط مصر.. ومسلموها

محمد صلاح / الحياة

ليست هناك أي علاقة بين حادث السطو على محل للمجوهرات يملكه قبطي في الإسكندرية وبين الهجوم على محل آخر يملكه قبطي آخر قبلها بيومين في ضاحية الزيتون شرق القاهرة, وليست هناك صلة بين الحادثين وبين المصادمات التي وقعت بين المسلمين والأقباط في إحدى قرى مدينة ملوي في محافظة المنيا في الصعيد على خلفية النزاع على قطعة أرض تحيط بدير للأقباط الأرثوذكس هناك, ولا يوجد أي رابط بين الحوادث الثلاثة وبين تظاهرات الأقباط في مدينة سمالوط التابعة لمحافظة المنيا أيضاً قبل يومين احتجاجاً على مقتل مواطن قبطي بعد مشاجرة مع جاره المسلم.

وبالتأكيد ليست كل تلك الأحداث سبباً في النزاع الذي تفجر بين عائلتين إحداهما مسلمة والأخرى قبطية في مدينة الإسماعيلية على قناة السويس بسبب زواج شاب مسلم من فتاة قبطية. هكذا أثبتت التحقيقات ودلت الملابسات وقال الشهود والمسؤولون بما يتسق مع المنطق والعقل وتدابير القدر. غير أن ذلك لا يمكن أن يخفي ردود الفعل الغاضبة في كل مرة من جانب الأقباط على كل حادث ولو كان بسيطاً أو وقع بالصدفة.

وحتى رموز الأقباط المنتمون الى الحزب الوطني الحاكم وغيرهم ممن يعتبرون موالين للحكومة, فإنهم لا يلجأون عادة إلى تجميل الصورة وإنما يقرون دائماً بأن هناك مطالب للأقباط ومشاكل يمكن حلها من دون الانتقاص من أي جهة: المسلمون والحكومة وهيبة الدولة.

ليست الحوادث السابقة دليلاً على اضطهاد يتعرض له الأقباط في مصر أو على غياب حقوقهم أو تأمينهم باعتبارهم مواطنين مصريين، لكن شعور الأقباط بغياب ارادة سياسية للاستجابة لمطالبهم المنطقية في أمور أخرى ليست لها علاقة بالأمن أو الأمان وإنما بالتعايش والانصهار في نسيج المجتمع يجعل ردود فعلهم على كل حادثة عابرة تبدو كأنها مبالغ فيها, كما يمنح المتربصين بأمن البلاد والراغبين في تخريب العلاقة بين المسلمين والأقباط وهواة الصيد في الماء العكر الفرصة تلو الأخرى لإحراج الحكومة واستفزاز المسلمين واللعب على وتر حساس لا يجوز العبث فيه.

والحقيقة أن الأقباط نالوا في عهد الرئيس حسني مبارك كثيراً من التقدير حيث زاد الحرص الرسمي على ارضائهم والاحتفال بمناسباتهم الدينية, وانعكس ذلك على طريقة تعاطي الإعلام الرسمي مع احتفالات الأقباط بأعيادهم ومناسباتهم الدينية. وقد يجمل ذلك الصورة لكنه لا يبعد عنها بعض الرتوش الذي يسيء لها. وإذا افترضنا أن الدولة المصرية لبت مطالب الأقباط في شأن بناء وترميم الكنائس والتوظيف في بعض المواقع المهمة فإن رد فعلهم على الحوادث التي قد تنشأ في المستقبل في القرى والأحياء الشعبية لأسباب أسرية سيكون مختلفاً وسيجد المتطرفون منهم أنفسهم في مواقف لا تسمح لهم باستعداء الجهات الخارجية دولاً أو منظمات أو اتحادات على الدولة المصرية.

الأمور في مصر تشير إلى أن التعايش بين المسلمين والأقباط واقع لا مجال للتشكيك فيه إلى درجة أن كثيراً من أبناء المسلمين يلتحقون بمدارس قبطية, كما أن كثيرين من الأقباط يعالجون في مستشفيات و "مستوصفات" تحمل لافتات إسلامية, ولا يوجد في مصر مناطق يعيش فيها الأقباط وحدهم أو أحياء مخصصة للمسلمين, ولا يسمح لغيرهم بالعيش فيها.

لا يحتاج الأمر إلى كثير من التضحيات أو التنازلات, فقط المطلوب بعض المواءمات السياسية والسيناريوهات المنطقية وعندها سيكون أي حادث سرقة يتعرض له قبطي مجرد حادث جنائي لا يمكن أن يلبس ثوب السياسة.

صحيفة الحياة

ليست هناك تعليقات: