24 مايو 2008

فقه الخروج على الحاكم (للشيخ حامد العلي )

وردت عدة أحاديث تبين حكم الخروج على الحاكم : ‏

ففي صحيح البخاري عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه : ‏
‏قال دعانا النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فبايعناه فقال فيما أخذ علينا ‏ ‏أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان .
قال ابن حجر في فتح الباري :

‏قوله ( إلا أن تروا كفرا بواحا ).

‏بموحدة ومهملة .

قال الخطابي : معنى قوله بواحا يريد ظاهرا باديا من قولهم باح بالشيء يبوح به بوحا وبواحا إذا أذاعه وأظهره .

ثم قال : وقع عند الطبراني من رواية أحمد بن صالح عن ابن وهب في هذا الحديث كفرا صراحا , بصاد مهملة مضمومة ثم راء .

ووقع في رواية حبان أبي النضر المذكورة " إلا أن يكون معصية لله بواحا " .
وعند أحمد من طريق عمير بن هانئ عن جنادة " ما لم يأمروك بإثم بواحا " .

وفي رواية إسماعيل بن عبيد عند أحمد والطبراني والحاكم من روايته عن أبيه عن عبادة " سيلي أموركم من بعدي رجال يعرفونكم ما تنكرون وينكرون عليكم ما تعرفون , فلا طاعة لمن عصى الله " .

وعند أبي بكر بن أبي شيبة من طريق أزهر بن عبد الله عن عبادة رفعه " سيكون عليكم أمراء يأمرونكم بما لا تعرفون ويفعلون ما تنكرون فليس لأولئك عليكم طاعة " . ‏

‏قوله ( عندكم من الله فيه برهان ) ‏.
‏أي نص آية أو خبر صحيح لا يحتمل التأويل .

ومقتضاه أنه لا يجوز الخروج عليهم ما دام فعلهم يحتمل التأويل .

قال النووي : المراد بالكفر هنا المعصية , ومعنى الحديث لا تنازعوا ولاة الأمور في ولايتهم ولا تعترضوا عليهم إلا أن تروا منهم منكرا محققا تعلمونه من قواعد الإسلام .

فإذا رأيتم ذلك فأنكروا عليهم وقولوا بالحق حيثما كنتم انتهى .

وقال غيره : المراد بالإثم هنا المعصية والكفر , فلا يعترض على السلطان إلا إذا وقع في الكفر الظاهر .

والذي يظهر حمل رواية الكفر على ما إذا كانت المنازعة في الولاية فلا ينازعه بما يقدح في الولاية إلا إذا ارتكب الكفر .

وحمل رواية المعصية على ما إذا كانت المنازعة فيما عدا الولاية .

فإذا لم يقدح في الولاية نازعه في المعصية بأن ينكر عليه برفق ويتوصل إلى تثبيت الحق له بغير عنف .

ثم قال : ونقل ابن التين عن الداودي قال : الذي عليه العلماء في أمراء الجور أنه إن قدر على خلعه بغير فتنة ولا ظلم وجب , وإلا فالواجب الصبر .
وعن بعضهم لا يجوز عقد الولاية لفاسق ابتداء , فإن أحدث جورا بعد أن كان عدلا فاختلفوا في جواز الخروج عليه , والصحيح المنع إلا أن يكفر فيجب الخروج عليه ) انتهى ما ذكره هنا في شرح هذا الحديث .

وقال عند شرح حديث : ‏عبد الله ‏ بن مسعود رضي الله عنه : ‏قال ‏

‏قال لنا رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏إنكم سترون بعدي ‏ ‏أثرة ‏ ‏وأمورا تنكرونها قالوا فما تأمرنا يا رسول الله قال أدوا إليهم حقهم وسلوا الله حقكم ‏

قال ابن حجر :

وأخرج مسلم من حديث أم سلمة مرفوعا " سيكون أمراء فيعرفون وينكرون , فمن كره برئ ومن أنكر سلم , ولكن من رضي وتابع ، قالوا : أفلا نقاتلهم ؟ قال : لا , ما صلوا " .

ومن حديث عوف بن مالك رفعه في حديث في هذا المعنى " قلنا يا رسول الله أفلا ننابذهم عند ذلك ؟ قال : لا , ما أقاموا الصلاة " .

وفي رواية له " بالسيف " .

وزاد " وإذا رأيتم من ولاتكم شيئا تكرهونه فاكرهوا عمله ولا تنزعوا يدا من طاعة " .

وفي حديث عمر في مسنده للإسماعيلي من طريق أبي مسلم الخولاني عن أبي عبيدة بن الجراح عن عمر رفعه قال " أتاني جبريل فقال : إن أمتك مفتتنة من بعدك , فقلت : من أين ؟ قال : من قبل أمرائهم وقرائهم , بمنع الأمراء الناس الحقوق فيطلبون حقوقهم فيفتنون , ويتبع القراء هؤلاء الأمراء فيفتنون . قلت : فكيف يسلم من سلم منهم ؟ قال بالكف والصبر إن أعطوا الذي لهم أخذوه وإن منعوه تركوه " .

===========

والحاصل أن الحاكم إن تولى كافرا أو ارتد وجب الخروج عليه لنزعه ، ونصب حاكم مسلم يحكم بالشريعة إن قدر المسلمون على ذلك .

وأما إن كان ظالما فاجرا ولم يأت بما يوجــب الردة، فينظر إن أمكن تقويمه بوسائل سلمية بإلزامه بنظام يجعل سلطته مقيدة بالرقابة والمساءله كما في النظم الحديثة ، فهذا هو الواجب .

وإن لم يمكن إلا بالقوة ـ الثورة المسلحة لقلب نظام الحكم ـ فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصبر على جوره وظلمه ، وعدم منازعته الامر ، لان في منازعته حدوث الفتن ، وتمزيق وحدة الامة ، وسفك الدماء ، وهذا منكر أكبر من منكر فجوره وظلمه . ‏

وعلى المسلمين حينئذ أن يسعوا في بدائل أخرى سلمية تمنع الظلم ، وقد ذكرت طائفة منها في رسالة ( الحسبة على الحاكم ووسائلها في الشريعة الإسلامية ) وهي في ركن المكتبة .

هذا خلاصة القول في هذا الباب .

وأما خروج عبدالله بن الزبير رضي الله عنه ، فقد كان مذهب بعض السلف هو الخروج على حكام الظلم والجور لمنع ظلمهم وجورهم بالسلاح ، ولكن كما قال ابن حجر رحمه الله تعالى :
( وهذا مذهب للسلف قديم ، لكن استقر الأمر على ترك ذلك لما رأوه قد أفضى إلى ما هو أشد منه ) تهذيب التهذيب 2/288

هذا وقد حكى ابن حزم عن كثير من الصحابة والتابعين والائمة أن مذهبهم كان جواز منع ظلم السلطة بالقوة ، قال رحمه الله تعالى : ( وهو قول عبدالله بن الزبير ومحمد بن الحسن بن علي ، وبقية الصحابة من المهاجرين والانصار القائمين يوم الحرة رضي الله عنهم اجمعين ، وقول كل من قام على الفاسق الحجاج من الصحابة كأنس بن مالك ، وكل من ذكرنا من أفاضل التابعين ، ومن بعدهم عبدالعزيز بن عبدالله بن عمر ، وعبدالله بن عمر ، ومحمد بن عجلان ، ومن خرج مع محمد بن عبدالله بن الحسن ، وهاشم بن بشر ، ومطر الوراق ، ومن خرج مع ابراهيم بن عبدالله ، وهو الذي تدل عليها أقوال الفقهاء .. ) الفصل لان حزم 4/ 171ـ 172

غير أن الصحيح هو ماذكرناه من عدم جواز منازعة السلطة بالسلاح إذا لم يبلغ الامر إلى الكفر البواح الذي لنا من الله عليه برهان ، وقد وردت أحاديث كثيرة جدا تدل على الصبر على ظلم السلطة وعدم اللجوء إلى الخروج عليها بالسلاح ـ الثورة المسلحة ـ ولهذا قال العلماء : إمام غشوم خير من فتنة تدوم ، ومائة سنة بإمام جائر ، خير من يوم بلا إمام .

فإن بلغ الامر إلى الكفر البواح ، فإزاحة السلطة مع القدرة فرض بالإجماع عند أهل السنة خلافا لبعض الفرض الضالة ، ويسقط بالعجز كما تسقط سائر التكاليف । والواجب على العلماء أن يجعلوا الحاكم ، على دراية تامة ، بالحد الفاصل بين التجاوزات التي لاتبلغ الكفر الموجب لنزع يد الطاعــــة ، وتلك التي تعد في الاسلام خطا أحمر ، توجب على الأمة إزاحته ، ويفقد شرعية ولايتــه ، حتى يكون ذلك رادعا له أن يضل الامة ، فيسوقها إلى دكادك النار . لا أن يرقّعوا لــه كلما ولج بابا من أبواب الكفر ، فيحدثون له تقسيمات جديدة لما يوجب الكفر ، تقسيمات محدثة لتوافق حاله ، كأن ولايته هي الأًصل الذي يجب أن يرجع الشرع إليه ! كما يفعل أهل الحيل الفقهية ، ثم إذا ضاقت عليهم الحيل ، واتسع الخرق على الراقع ، انتقلوا حينئذ إلى أقوال المرجئة ، فألبسوها إياه ، ولسان حالهم يقول : افعل ماشئت مادمت تقول إنك مسلــم ، فهؤلاء هم الذين قال النبي صلى الله عليه وسلم فيهم : أخوف ما أخاف على أمتي كل منافق عليم اللسان خرجه ابن حبان والبزار من حديث عمران رضي الله عنه ، والله أعلم
مواقع

ليست هناك تعليقات: